فلسطين أون لاين

غزة تحت السُّقوف المعلَّقة بالموت: بيوتٌ تهدِّد أهلها في كل لحظة

...
غزة تحت السُّقوف المعلَّقة بالموت: بيوتٌ تهدِّد أهلها في كل لحظة
غزة/ عبد الرحمن يونس

في كل زاوية من قطاع غزة، وفي كل شارع يكاد لا يخلو من أثر القصف، تتجلى صورة جديدة من صور المعاناة. لم يعد الخطر في غزة محصورًا في الصواريخ والرصاص، بل أصبح الموت مُعلّقًا في السماء، يتجسد في أحزمة الباطون المتدلية من مبانٍ مدمرة، مهددة بالسقوط في أي لحظة على رؤوس ساكنيها، الذين لا يملكون من أمرهم شيئًا سوى الاحتماء بالقدر.

محمد علي، أحد سكان حي النصر، يروي قصته بصوت يغلب عليه اليأس: "منذ أن استهدفت قذيفة دبابة بيتنا ودمرت الطابق العلوي، لم نعد نعيش بسلام. تدلى حزامان من الباطون المسلح من السقف، يتهدداننا في كل لحظة". رفع محمد عينيه إلى الأعلى وأشار بإصبعه إلى الكتلتين الخرسانيتين المعلّقتين، وقال لـ "فلسطين أون لاين": "كلما هبّت رياح قوية، أشعر أن هذا هو اليوم الأخير لنا".

لم يقف محمد مكتوف اليدين، فقد ناشد الدفاع المدني مرارًا، واتصل بهم على أمل أن يأتي من ينقذ أسرته. "جاءت فرقة من الدفاع المدني بالفعل، لكنهم وقفوا عاجزين. قالوا لي: لا نملك المعدات اللازمة لإزالة هذا الخطر. حتى الحبال المعدنية والرافعات ممنوعة علينا، بسبب الحصار".

قصة محمد علي ليست استثناءً، بل هي واحدة من آلاف القصص المشابهة التي يعيشها سكان القطاع، بعد أن تحولت بيوتهم إلى مصائد موت. محمد أبو شوارب، من سكان حي الشاطئ الشمالي، يروي هو الآخر تجربته المؤلمة: "بيت عائلتي مكوّن من أربعة طوابق، قصف الاحتلال طابقين منه، وتحول ما تبقّى إلى كتل خرسانية متشققة. ورغم ذلك، اضطررت لاستصلاح الطابق الأرضي والسكن فيه. لا مكان آخر أذهب إليه".

محمد يدرك خطورة الوضع، ويعلم أن سقف منزله قد يسقط في أي لحظة، لكنه لا يملك خيارًا آخر. "حتى لو اتصلت بالدفاع المدني، فلن يستطيعوا فعل شيء. لا آليات، ولا معدات، ولا إذن بدخول ما يحتاجونه. الحصار يقتلنا بصمت".

أما محمد سالم، فبيته لم يعد بيتًا بالمعنى الحقيقي. "استهدف القصف منزلنا، فانهارت الطوابق فوق بعضها البعض، ولم يبقَ سوى الطابق الأرضي شبه المدفون"، يقول وهو ينظر إلى مكان كان يومًا مأوىً دافئًا لعائلته.

محمد لا يجرؤ على المرور من تحت بقايا منزله، خوفًا من أن تسقط عليه ألواح الخرسانة، أو تتدحرج كتلة حجرية من الأعلى. "هذا ليس بيتًا... هذه مقبرة مؤجلة"، يهمس كمن يكتم خوفًا كبيرًا بين ضلوعه.

جهاز الدفاع المدني في غزة لم يقف مكتوف الأيدي، لكنه يواجه وضعًا يتجاوز قدرته. المتحدث باسم الجهاز، محمود بصل، حذّر مؤخرًا من وجود آلاف المباني المدمرة جزئيًا أو كليًا، والتي قد تنهار في أي لحظة. "نتلقى بلاغات يومية من مواطنين عن جدران متشققة، وأعمدة مائلة، وأسطح مهددة بالسقوط، لكننا لا نملك الأدوات اللازمة للتعامل مع هذا الكم الهائل من الخطر".

وأكد بصل أن استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع دخول المعدات الثقيلة والآليات التخصصية يعطّل أي محاولة لتأمين السكان. "حتى الرافعات التي كنا نستخدمها لإزالة الكتل الخرسانية، أصبحت غير صالحة بسبب نفاد الوقود وغياب قطع الغيار".

في بيان رسمي، أكد سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، أن هناك مئات المباني الآيلة للسقوط نتيجة تعرضها للقصف أو الحرق خلال الحرب، وقد جرى إخلاء 220 منها، لكن المئات الأخرى لا تزال مأهولة. وأضاف أن استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المعدات اللازمة، يُعمّق معاناة السكان، ويضع آلاف الأرواح تحت تهديد مباشر.

سكان غزة لا يطلبون رفاهية، بل مجرد الحد الأدنى من الأمان. يريدون ألا يعيشوا تحت سقف قد يسقط عليهم وهم نائمون، أو حائط ينهار وهم يحتمون من القصف. يريدون أن يتحرك الضمير العالمي، أن تُفتح المعابر، وأن يُسمح بدخول المعدات التي تُنقذ الأرواح لا تُهددها.

ومع كل ذلك، لا تزال غزة تقاوم. تقاوم بالرغم من الركام، تقاوم رغم الخوف، تقاوم لأن الحياة هنا لم تعد مجرد بقاء، بل صمودًا ضد كل أشكال الموت... بما في ذلك ذاك المُعلّق على سقوف البيوت.

المصدر / فلسطين أون لاين
OSZAR »