في خطوة مفاجئة وصادمة، وفي ظل استمرار تصعيد الاحتلال الإسرائيلي لحرب الإبادة الجماعية ضد أهالي قطاع غزة، اتخذت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" قرارا يقضي بوقف التعاقدات والاتفاقيات الموقعة مع عدد من المستشفيات والجمعيات الأهلية العاملة في القطاع، وعلى رأسها مستشفيات العودة، التي تعد من أبرز الجهات المقدمة للخدمات الطبية المجانية منذ عام 2011.
ويشكل هذا القرار ضربة قاصمة للمنظومة الصحية المتداعية أصلًا في قطاع غزة، ويؤثر بشكل مباشر على مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون على هذه المستشفيات للحصول على خدمات طبية حيوية، لا سيما في مجالات الجراحة العامة والتخصصية، وخدمات الولادة الطبيعية والقيصرية، والجراحات النسائية التي كانت تقدم مجانًا بتمويل من "أونروا".
وتعد مستشفيات العودة من أبرز الشركاء الصحيين لـ"أونروا"، حيث تقدم وحدها ما يقارب (1000) تدخل طبي شهريًا بموجب التعاقدات التي كانت سارية، لكن مع صدور هذا القرار، فإن هذه الخدمات الصحية المهمة ستتوقف كليًا، ما يعني حرمان آلاف المرضى والمراجعين من تلقي الرعاية اللازمة في ظل أوضاع إنسانية وصحية كارثية.
تداعيات كارثية
وأكد مدير مستشفى العودة، في تل الزعتر شمال قطاع غزة، د. محمد صالحة، أن قرار "أونروا" ستكون له تداعيات صحية وإنسانية خطيرة، إذ سيؤدي إلى توقف العديد من الخدمات الطبية الأساسية التي تقدمها المستشفى بشكل مجاني، لا سيما خدمات الولادة بأنواعها، والجراحات النسائية، بالإضافة إلى بعض العمليات الجراحية العامة والتخصصية.
وقال صالحة لـ "فلسطين أون لاين": "تعاقد الأونروا مع مستشفى العودة قائم منذ أكثر من 13 عامًا، ومنذ 2011 تحديدًا، ووقفه بهذه الطريقة المفاجئة دون إنذار أو تحضير مسبق، يشكل صدمة للمؤسسات الصحية وللمجتمع بأكمله، وسيؤثر بشكل مباشر على آلاف المواطنين الذين يعتمدون على هذه الخدمات المنقذة للحياة".
وأشار إلى أن مستشفى العودة يعد الجهة الوحيدة التي تقدم خدمات الولادة في شمال قطاع غزة، ويجري ما يزيد عن 400 حالة ولادة شهريًا، إلى جانب أكثر من 250 عملية جراحة نسائية شهريًا. ومع غياب "أونروا" عن المشهد، فإن النساء، وخصوصًا الحوامل، سيتعرضن لمخاطر صحية جسيمة نتيجة عدم توفر بدائل مناسبة.
وأوضح صالحة أن جمعية العودة ستبدأ بإجراء سلسلة من المشاورات العاجلة مع وزارة الصحة وكافة الجهات ذات الصلة، بهدف البحث عن حلول مستدامة وسريعة لردم الفجوة الكبيرة التي ستتركها "أونروا" في قطاع الخدمات الصحية، وخاصة خدمات الرعاية الصحية الثانوية.
وأضاف أن الجمعية، وبالرغم من الظروف الصعبة وغياب الدعم، قررت الاستمرار مؤقتًا في تقديم خدمات الولادة الطبيعية والقيصرية والجراحات النسائية حتى نهاية شهر مايو 2025، وذلك في محاولة لمنح الوقت الكافي لإتمام المشاورات ووضع خطة طوارئ تضمن استمرارية هذه الخدمات الإنسانية.
ونبه صالحة إلى أن النظام الصحي في قطاع غزة يعاني من انهيار شبه تام، حيث إن معظم المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية توقفت عن العمل بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر، الذي استهدف البنية التحتية الصحية بشكل مباشر، فضلًا عن نقص الوقود والمستلزمات الطبية الضرورية.
وأشار إلى أن قرار "أونروا" جاء في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتعرض مستشفيات القطاع لأزمة غير مسبوقة بسبب منع الاحتلال دخول الوقود والمستلزمات الطبية، مما يفاقم الأزمة ويجعل من القرار كارثة صحية بكل المقاييس.
ووجه صالحة نداءً عاجلًا إلى المؤسسات الدولية الإنسانية والحقوقية، مطالبًا إياها بالتحرك الفوري والضغط على "أونروا" للتراجع عن قرارها، والعمل على توفير الدعم اللازم لاستمرار عمل هذه المستشفيات، لما في ذلك من أهمية قصوى لحماية أرواح الآلاف من الفلسطينيين، لا سيما النساء والأطفال وكبار السن والمرضى المزمنين.