أعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء أمس الخميس، تعيين اللواء السابق في الجيش، دافيد زيني، رئيسا لجهاز الأمنّ الإسرائيليّ العامّ ("الشاباك")، مخالفا بذلك منعَ المستشارة القضائية للحكومة، من اتخاذه هذه الخطوة، قبل يوم من إعلانه.
وأثار تعيين دافيد زيني رئيسًا جديدًا لجهاز الأمن العام (الشاباك) جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والأمنية في "إسرائيل"، لا سيما في قيادة الجيش التي لم تكن على علم مسبق بالخطوة.
وقد فوجئ رئيس أركان الجيش، إيال زامير، بإعلان التعيين الذي جرى دون التنسيق معه، وتم إعلامه قبل ثلاث دقائق فقط من صدور بيان رسمي من مكتب نتنياهو، الأمر الذي اعتبره مسؤولون في الجيش تجاوزًا غير مسبوق للأعراف.
وفي أعقاب ذلك، عقد زامير، صباح اليوم، اجتماعًا خاصًا مع زيني، وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه "لقاء توضيحي"، في ظل تقارير أفادت بأن قنوات اتصال مباشرة فُتحت بين نتنياهو وزيني في الأيام الأخيرة دون علم رئاسة الأركان.
وشددت مصادر في الجيش على أن تعيين ضابط يخدم حاليًا في الجيش لرئاسة الشاباك، كان يتطلب موافقة رئيس الأركان. وبحسب مصدر عسكري، فإن القرار "اتُخذ من خلف ظهر رئيس الأركان"، ما فُسّر على أنه تجاوز متعمد من قبل نتنياهو.
وفي أعقاب اللقاء التوضيحي، أصدر الجيش بيانا جاء فيه أن زامير اجتمع بزيني، وجرى خلال اللقاء الاتفاق على إنهاء خدمة الأخير العسكرية خلال الأيام القريبة. وشدد البيان على أن "رئيس الأركان يوضح أن أي تواصل بين ضباط في الجيش وبين القيادة السياسية يستوجب مصادقة مسبقة من رئيس الأركان".
واعتبر المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، أن التعيين يعكس انحيازًا لمصلحة نتنياهو الشخصية والسياسية على حساب مصلحة الدولة، وكتب: "زيني يفتقر إلى أي تجربة في إدارة أجهزة معقدة أو خبرة في عالم الاستخبارات. لا يوجد ما يؤهله لرئاسة الشاباك سوى أمر واحد: ولاؤه المطلق لنتنياهو".
وأضاف ليمور أن المحيطين بنتنياهو حاولوا سابقًا الدفع بزيني لتولي رئاسة الأركان، وحين فشلوا، سعوا إلى نقله لرئاسة الشاباك باعتباره خيارًا "آمنًا ومضمونًا" في ظل الملفات الحساسة المحيطة بنتنياهو، مثل صفقة تبادل الأسرى والتحقيقات مع مقربين من نتنياهو.
واعتبر ليمور أن هذا التعيين يشير إلى تحول خطير في وظيفة الشاباك من جهاز أمني مستقل إلى أداة في يد رئيس الحكومة، مشيرًا إلى أن زيني، خلال عرض خطط الحرب أمام قادة الجيش، عارض إعطاء الأولوية لإعادة الأسرى، وفضّل التركيز على "سحق حماس"، ما يُنذر، بحسب ليمور، بانعكاسات خطيرة على مصير الأسرى المحتجزين في غزة.
وختم بالقول: "هذا تعيين غير معقول بكل المعايير، تم رغم قرار المحكمة العليا، وفي خرق واضح لتعليمات المستشارة القضائية. النتيجة هي تآكل جديد في مؤسسات الدولة"، وسط تحذيرات من أن يجر التعيين إسرائيل إلى أزمة دستورية جديدة ومتفاقمة.
وذكر المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، التعيين من زاوية أزمة الحكم المستمرة في "إسرائيل"، وكتب أن نتنياهو يتصرف وفق نموذج دونالد ترامب، ويتمنى لو أُتيحت له صلاحيات مشابهة لطرد وتعيين المسؤولين دون رقيب.
وقال برنياع إن قرار نتنياهو بتعيين زيني، رغم قرار المحكمة، يمثل استخفافًا صريحًا بالقانون، ويؤجج أزمة دستورية كانت المحكمة قد بدأت في تهدئتها.
وأشار إلى أن الشاباك منخرط في تحقيقات تمس مقربين من نتنياهو، وأن المحكمة رأت في ذلك سببًا كافيًا لمنعه من تعيين رئيس جديد للجهاز. وقال: "الجميع في حالة تضارب مصالح الآن، والمطلوب هو تعيين شخصية مهنية وحيادية بأسرع وقت".
وختم برنياع بالتحذير من أن الاستمرار في هذا المسار قد يعمّق الشرخ داخل المؤسسات الأمنية والقضائية، ويؤدي إلى تآكل في ثقة الجمهور بها.
من هو دافيد زيني؟ سيرة أمنية حافلة بالعمليات الخاصة
ويُعد زيني من أبرز جنرالات الجيش الإسرائيلي، إذ تنقّل في مناصب ميدانية وقيادية عدّة، أبرزها مقاتل في وحدة "سييريت متكال" الخاصة، وقائد وحدة "إيغوز"، وقائد لواء جولاني، ومؤسس لواء الكوماندوز، إضافة إلى عمله كقائد لهيئة التدريب والفيلق القيادي في هيئة الأركان.
ويُعرف ديفيد زيني، وهو أب لـ11 طفلًا ومن رموز تيار الصهيونية الدينية، بتحذيره المبكر من سيناريوهات الهجمات المفاجئة، إذ أعد في مارس/آذار 2023 تقريرًا خاصًا حول جاهزية فرقة غزة لأي هجوم مباغت، كتب في خلاصته: "في كل جبهة تقريبًا يمكن تنفيذ هجوم مفاجئ على قواتنا".
ويأتي تعيين زيني خلفًا لرئيس "الشاباك" الحالي رونين بار، الذي أعلن استقالته مطلع أيار/ مايو الجاري، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ منتصف حزيران/ يونيو المقبل. وجاءت استقالة بار في أعقاب أزمة قانونية وسياسية غير مسبوقة، بعدما حاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إقالته بدعوى "فقدان الثقة"، وهي خطوة اعتبرتها المحكمة العليا الإسرائيلية غير قانونية، وأقرّت بوجود تضارب مصالح لدى نتنياهو في اتخاذ القرار، نظرًا لأن الشاباك يحقق في قضايا تتعلق بمقربين منه.
وكان بار قد واجه ضغوطًا سياسية متصاعدة، خصوصًا بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، حيث أقرّ بتحمّل الجهاز نصيبًا من المسؤولية عن الإخفاق الاستخباري في التصدي لهجوم حماس. وقدّم استقالته لاحقًا خلال فعالية رسمية، مؤكدًا أن على كل مسؤول أخفق في حماية البلاد أن "ينحني بتواضع أمام الضحايا ويتصرف بما يليق".
وقد فسّرت استقالة رونين بار كخطوة استباقية لحماية استقلالية الجهاز، في ظل مساعٍ حكومية وُصفت بأنها تسييسٌ للأجهزة الأمنية وتدخّلٌ في عملها المهني.