فلسطين أون لاين

تقرير في مواجهة الإبادة.. أين الموقف العربي من تحركات أوروبا لمعاقبة (إسرائيل)؟

...
في مواجهة الإبادة.. أين الموقف العربي من تحركات أوروبا لمعاقبة (إسرائيل)؟
لندن-غزة/ محمد الأيوبي:

بينما تتجه بعض العواصم الأوروبية لاتخاذ مواقف ضد انتهاكات (إسرائيل)، على خلفية الكارثة الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها في قطاع غزة، يبرز غياب واضح لأي تحركات عربية موازية.

هذا الغياب، الذي بات محل انتقاد واسع، يصفه وزير الخارجية التونسي السابق الدكتور رفيق عبد السلام بأنه مزيج من التواطؤ والعجز، بل ويتهم بعض الأنظمة العربية بالرهان الضمني على (إسرائيل) لإنهاء عبء القضية الفلسطينية، تمهيدًا لاستكمال مشاريع التطبيع.

وفي تطور غير مسبوق في المواقف الأوروبية، بدأت بعض الحكومات باتخاذ إجراءات عملية للضغط على (إسرائيل) لوقف عدوانها على قطاع غزة. ففي بريطانيا، أقرت الحكومة حزمة من الإجراءات العقابية. وفي السياق ذاته، صدَّق البرلمان الإسباني على مقترح يدعو إلى حظر تجارة السلاح مع (إسرائيل)، في حين طالب رئيس الوزراء بيدرو سانشيز باستبعادها من الفعاليات الثقافية الدولية.

كما شهد الموقف الأوروبي تحركات دبلوماسية متزايدة، إذ دعت هولندا وفرنسا ودول أخرى إلى فرض عقوبات أوروبية على المستوطنين بالضفة الغربية. وذهبت باريس أبعد من ذلك، إذ دعت المفوضية الأوروبية إلى مراجعة مدى التزام (إسرائيل) باتفاقية الشراكة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي.

مواقف ضعيفة

يرى عبد السلام في حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن المواقف العربية الرسمية "الضعيفة والمخزية"، مع بعض الاستثناءات القليلة، لم ترتقِ إلى مستوى الحدث، فقد اقتصرت على بيانات شجب شكلية لا تتجاوز حدود تسجيل الحضور السياسي ورفع العتب، دون اتخاذ أي خطوات عملية. بل الأسوأ من ذلك، بحسب تعبيره، أن بعض هذه الأنظمة "تنتظر من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو استكمال المهمة وتخليصها من العبء الفلسطيني المزعج"، لتتفرغ لاحقًا لمشاريع تنموية "وهمية"، لا تملك أي مقومات حقيقية للصمود في ظل واقع إقليمي متقلب ومهتز.

ويضيف عبد السلام أن بعض المبادرات التي تم تداولها في وسائل الإعلام، مثل الخطة الفرنسية الخليجية لنزع سلاح المقاومة، تعبّر بوضوح عن رغبة عدد من الدول الخليجية المطبّعة في إخضاع غزة وتسليمها لـ(إسرائيل)، واصفًا ذلك بأنه "مستوى غير مسبوق من الخيانة العربية الموصوفة".

وحول تفسير هذا الغياب العربي، يرى الوزير الأسبق أن ما نشهده هو مزيج من العجز والتواطؤ، مشددًا على أن العرب ليسوا ضعفاء بطبيعتهم، فهم يمتلكون الكثير من عناصر القوة: من النفط والغاز، إلى المال والممرات البحرية الاستراتيجية. لكنهم، وفق تعبيره، "أسرى شعور عام بالعجز"، ويفضلون تجنب إزعاج (إسرائيل) أو الاصطدام بحليفها الأمريكي، إذ لا يعنيهم سوى "حماية الحاكم واستمراره في السلطة".

وفي هذا السياق، يلفت عبد السلام إلى المفارقة التي تمثلها اليمن، الدولة الفقيرة والمحاصَرة، التي تمكنت من إرباك (إسرائيل) وممارسة ضغط عسكري وأمني كبير عليها، في حين تقف دول كبرى في المنطقة مكتوفة الأيدي. ويذهب إلى أن "الكثير من الأنظمة تنتظر من نتنياهو القيام بمهمة نزع سلاح المقاومة نيابة عنها، حتى تواصل مسار التطبيع وتغلق الملف الفلسطيني بالكامل".

وفي مقارنة بين الشارع الأوروبي والعربي، يؤكد عبد السلام أن الشارع الأوروبي أظهر يقظة سياسية وأخلاقية بما مارست من ضغوط دفعت الحكومات الأوروبية لتعديل مواقفها، بعدما كانت داعمة بشكل مطلق للاحتلال مع بعض الاستثناءات مثل اسبانيا وايرلندا وبلجيكا التي وقفت موقفا شجاعا وأخلاقيا من البداية.

في المقابل، "يبقى الشارع العربي مغيبًا بفعل الأنظمة الدكتاتورية التي لا تسمح بأي شكل من أشكال الحراك، ولا تصغي لصوت شعوبها أو مطالبها أصلًا، رغم أن "كل العرب يتوجعون وتتمزق نفوسهم لما يحدث في غزة، لكنهم لا يملكون القدرة على الفعل بسبب تواطؤ الأنظمة والقمع السياسي".

ويرى عبد السلام أن اتفاقيات التطبيع لم تثمر شيئًا للدول العربية، بل زادت من هشاشتها و أزماتها، مشيرًا إلى أن مصر، مثلًا، فقدت وزنها الإقليمي بعد كامب ديفيد، فيما لم تجنِ الأردن من اتفاقية وادي عربة سوى مزيد من التعثر السياسي والاقتصادي، وتحولها إلى دولة مثقلة بالديون.

ويعتبر أن تحركات الشارع الأوروبي فرضت على حكوماته تعديل المواقف، لكنها في الوقت ذاته زادت من إحراج الأنظمة العربية التي اكتفت بالصمت أو ببيانات جوفاء تطالب بالمساعدات ووقف العدوان دون أي فعل ملموس.  ويضيف أن القمم العربية وبياناتها تحوّلت إلى مجرد "حبر على ورق"، دون أثر فعلي، الأوروبيون أرسلوا رسالة قوية إلى حكوماتهم، وفضحوا في الوقت ذاته مستوى التخاذل العربي".

ويخلص عبد السلام إلى القول "إن ما يجري في غزة ليس فقط مأساة فلسطينية، بل تهديد مباشر للأمن القومي العربي، خاصة وأن نتنياهو يعلن صراحة أن خطته تتجاوز غزة والضفة لتشمل إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط برمّتها".

المصدر / فلسطين أون لاين
OSZAR »