رغم أن مدة اكتشاف إصابته بمرض السرطان لم تتجاوز ثلاثة أشهر، فإن غياب العلاج والغذاء الصحي جعلا المرض يتمكن من جسد الستيني جمال سلمان أبو اغبيط، حيث انتشر بسرعة كبيرة وأقعده عن الحركة.
بدأت معركة أبو اغبيط مع المرض في ظروف معيشية غاية في السوء، إذ يقيم في خيمة شمال قطاع غزة مع ثلاثة عشر فردًا من أبنائه وأحفاده وزوجاتهم، وهم من تبقى له بعد مجزرة إسرائيلية. أصيب بوعكة صحية اكتُشف على إثرها إصابته بالسرطان في مرحلته الرابعة.
سريعًا ما حصل أبو اغبيط على تحويلة للعلاج في الخارج عن طريق منظمة الصحة العالمية، وكان من المفترض أن يسافر في شهر مارس الماضي، إلا أن استئناف الاحتلال الإسرائيلي للحرب على غزة حرمه من هذا الحق.
وحين بدأ أبو اغبيط إجراءات العلاج في مستشفى غزة الأوروبي، بعد أن تكفلت إحدى المؤسسات بنقل المرضى من مختلف أنحاء القطاع، بما فيها المناطق الشمالية إلى رفح، تعرض المستشفى لهجوم إسرائيلي، ولم يتلقَّ أي علاج.
يعاني أبو اغبيط حاليًا من تفشي المرض في جسده حتى أقعده عن الحركة، في ظل انعدام الغذاء الصحي في أسواق قطاع غزة، مما فاقم حالته الصحية. وإلى جانب معاناته الصحية، يصارع أيضًا مرارة فقدانه لخمسة وعشرين من أبنائه وأحفاده الذين استُشهدوا في قصف إسرائيلي لمنزله. خرج من تحت الأنقاض محاولًا الحياة من جديد واحتضان من تبقى من عائلته، وهم ثلاثة عشر فردًا من أحفاده وزوجات أبنائه، بينما توفيت زوجته بعد فترة قصيرة من المجزرة حزنًا على فقدان أولادها.
من جانبه، قال المدير الطبي لمركز غزة للأورام، د. محمد أبو ندى، إن عدد مرضى السرطان في قطاع غزة قبل الحرب كان قرابة 13 ألف مريض، سافر منهم ألفان للعلاج في الخارج، بينما لا يزال خمسة آلاف آخرون يحملون تحويلات طبية للخارج، إلا أن إغلاق الاحتلال لمعبر رفح يحول دون سفرهم.
وأضاف أبو ندى لـ "فلسطين أون لاين": "أما الـ11 ألف مريض المتبقين، فيعانون معاناة لا توصف في الوصول إلى العلاج داخل القطاع، في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، وعدم قدرة أغلبهم على تحمل تكاليف المواصلات، مع تغيّر أماكن تقديم الخدمة الطبية باستمرار بسبب استهداف الاحتلال للمستشفيات والمراكز الصحية".
وتابع: "لا تقف المعاناة عند هذا الحد، إذ إن معدل الزيادة الشهرية في الإصابة بالسرطان في غزة يتراوح بين 200 إلى 250 حالة شهريًا، ما يعني أنه خلال 18 شهرًا من الحرب يُفترض تسجيل نحو 3,000 إصابة جديدة، لكن جزءًا كبيرًا منها لم يُسجل بسبب غياب الإمكانيات التشخيصية".
وأوضح أبو ندى: "كنا نسجل حالتي وفاة يوميًا قبل الحرب، ما يعني أن حوالي 1,200 شخص توفوا خلال الحرب بسبب مرض السرطان".
وأشار إلى أن القطاع الطبي كان يعاني أصلًا من ضعف القدرة على التعامل مع مرضى السرطان قبل الحرب نتيجة الحصار الإسرائيلي، وكان هناك نقص شديد في الأدوية الكيماوية، أما الآن فالوضع كارثي.
ونوّه إلى أن مستشفى الصداقة التركي–الفلسطيني، الذي كان يُستخدم مؤخرًا لعلاج مرضى السرطان، توقف عن العمل مع بداية الحرب بسبب الاجتياح الإسرائيلي واستهدافه بالقصف، وقطع الوقود والمياه عنه، ما أجبر الطواقم الطبية على المغادرة، خاصة بعد قصف الطابق الثالث من المستشفى وتدميره بالكامل لاحقًا.
ومع تدهور الأوضاع، تنقلت الطواقم الطبية بين عدة مستشفيات: من دار السلام إلى ناصر، ثم إلى أبو يوسف النجار، وأخيرًا إلى مركز فاطمة الزهراء في رفح. ومع اجتياح الاحتلال لرفح، عادت الفرق الطبية مجددًا إلى مستشفى ناصر ثم المستشفى الأوروبي، لكن الاحتلال استهدفه هو الآخر بالقصف وقطع المياه والكهرباء والصرف الصحي عنه قبل أسبوعين، ما أجبرهم على المغادرة.
ويواصل أبو ندى: "عدنا مجددًا للمرة الثالثة إلى مستشفى ناصر، حيث نعاني من الازدحام الشديد. ويزداد الضغط على مرضى السرطان بسبب تغيّر أماكن تقديم الخدمة الطبية باستمرار، في ظل تعطل الاتصالات وصعوبة الوصول إليهم".
وأضاف: "ما زاد الطين بلة أن الكوادر الطبية لم تتمكن من إخلاء جميع الأجهزة والأدوية من المستشفى الأوروبي، لا سيما جهاز تحضير العلاج الكيماوي، الذي يحتاج إلى رافعة خاصة لنقله، فيما خرجنا تحت وابل الرصاص".
وأوضح أن مرضى السرطان في قطاع غزة يعانون من ثلاثية قاتلة: غياب التشخيص نتيجة انعدام مختبرات الأنسجة، وغياب سلسلة علاجية متكاملة مما يضعف فعالية العلاج، وانعدام العلاج الإشعاعي الضروري لثلثي حالات السرطان تقريبًا.
وطالب أبو ندى المؤسسات الدولية بتسريع إجراءات سفر مرضى السرطان للعلاج في الخارج، مشددًا على أن "تأخير العلاج يفاقم حالتهم الصحية، فهؤلاء المرضى يموتون فعليًا أمام أعيننا، ولا نملك لهم شيئًا".