يوميًا تتوجه فرحانة محارب إلى قسم الاستقبال بمستشفى التحرير داخل مجمع ناصر الطبي على أمل الحصول على حليب أطفال لمولودتها رنين، بعد انقطاعه من جميع الصيدليات في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وتعيش مستشفيات قطاع غزة حالة طوارئ إنسانية غير مسبوقة، في ظل استمرار أزمة نقص حليب الأطفال، التي تهدد حياة آلاف الرضع والخدج.
ويواصل الاحتلال تشديد حصاره على قطاع غزة ومنعه ادخال المواد الغذائية والطبية الأساسية من الدخول إلى القطاع، وعلى رأسها حليب الأطفال بأنواعه، مما ينذر بكارثة صحية قد تتسع تبعاتها في الأيام القادمة.
وأكدت وزارة الصحة في غزة أن الحليب العلاجي والعادي غير متوفر على الإطلاق في المستشفيات والمراكز الصحية، ما يجعل المواليد الجدد يواجهون خطر المجاعة ونقص التغذية الحاد.
وتشير البيانات الرسمية إلى استشهاد ما لا يقل عن 60 طفلًا نتيجة المجاعة أو أمراض مرتبطة بنقص التغذية.
تقول محارب في حديثها لصحيفة "فلسطين": "طفلتي عمرها 7 شهور منذ ولاتها وهي تعيش على الحليب الصناعي ومن اكثر من شهر لا يتوفر الحليب في اي صيدلية".
توضح محارب ان الضعف بدأ يظهر على ابنتها وجسدها بسبب عدم حصولها على الحليب الخاص بالأطفال المواليد.
واضطرت والدة الطفلة إلى استخدام السميد لإطعام ابنتها من خلال سكب كميات من الماء الساخن عليه ولكنه لا يعد بديلاً عن الحليب.
ولفتت إلى أنها ايضا تواجه مشكلة كبيرة في توفير البامبرز بسبب اختفاءها من الأسواق ايضا واضطرارها لاستخدام قطع قماش مؤذية لجسد طفلتها.
كارثة صحية
بدوره أكد الدكتور أحمد الفرا، رئيس مستشفى الأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي، أن مستشفيات قطاع غزة تواجه كارثة صحية وشيكة تهدد حياة آلاف الأطفال الخدج والرضع، نتيجة الانقطاع الكامل لحليب الأطفال بأنواعه المختلفة، سواء العادي أو العلاجي.
وقال الفرا لصحيفة "فلسطين" إن "الحصار الإسرائيلي المشدد، ومنع إدخال الحليب والمستلزمات الطبية منذ أكثر من أربعة أشهر، أدى إلى اختفاء الحليب من المؤسسات الصحية كافة، الحكومية والأهلية والدولية، الأمر الذي يضع حياة شريحة واسعة من الأطفال في دائرة الخطر المباشر.
وأوضح الفرا أن الحليب الضروري لمراحل النمو المختلفة للأطفال لم يعد متوفراً نهائيًا داخل القطاع، وهو ما ينذر بكارثة صحية قد تحصد أرواح الآلاف ما لم يتم التدخل العاجل من قبل المؤسسات والجهات الدولية المختصة، للضغط على الاحتلال وفتح المعابر أمام دخول الحليب والمواد الحيوية.
وأكد الفرا أن أقسام الحضانة تعاني من اكتظاظ غير مسبوق، مشيرًا إلى أن الكوادر الطبية تواجه صعوبة في استقبال جميع الحالات الجديدة يوميًا بسبب النقص الحاد في الإمكانيات، وفي مقدمتها الحليب والمستلزمات الطبية والغذائية التي يمنع الاحتلال دخولها.
وأشار الفرا إلى أن بيانات وزارة الصحة توثق حتى الآن استشهاد 60 طفلًا بسبب المجاعة وسوء التغذية، محذرًا من أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الأزمة.
وشدد على أن نقص التغذية في السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل لا يؤدي فقط إلى أمراض قاتلة أو الوفاة، بل يخلف آثارًا خطيرة على النمو العقلي والجسدي والنفسي للطفل، قد تلازمه طوال حياته، مؤكدًا أن ما يجري يمثل جريمة إنسانية تستوجب تحركًا دوليًا عاجلًا.