يغصُّ أحمد الغرابلي في سُباتٍ عميق على أسرَّة العناية المكثفة في مجمع الشفاء الطبي، بعد إصابته بجروح خطيرة تسببت بها غارة إسرائيلية استهدفت مجموعة مواطنين في مدينة غزة.
وبينما يرقد الطفل البالغ (16 عامًا) بين الحياة والموت، لا يُسمع هناك سوى أصوات أجهزة المراقبة الطبية الموصولة بجسده النحيف وهي تصدر طنينًا منتظمًا، فيما تحكي الضمادات واللفافات البيضاء المحيطة برأسه فصول الجريمة الإسرائيلية.
في يوم ثقيل من أيام حرب الإبادة الإسرائيلية، وتحديدًا الجمعة 9 مايو/ أيار 2025، كان أحمد يقف أمام منزله بحي الرمال في مدينة غزة، عندما باغتته شظايا صاروخ أطلقته طائرة حربية إسرائيلية بدون طيار، واستهدفت به مجموعة مواطنين بالقرب من مفترق "بالميرا".
"كان يقف أمام البيت ولم يرتكب أي ذنب. اعتاد أحمد ذلك لكن يبدو أن الحرب لم تترك لأحد مكان آمن." يقول والده عصام الغرابلي (50 عامًا) لصحيفة "فلسطين"، وقد كتم دموعه وهو يصف اللحظة التي غيرت حياة طفله وجعلته حبيس أسرَّة العناية.
يرافق الغرابلي نجله في المستشفى، ويمضي ساعات طويلة هناك وهو يتابع حالته الصحية مع الأطباء المشرفين عليه.
"سمعت الانفجار من بعيد وركضت. وجدت أحمد ممدًا على الأرض، رأسه ينزف بشدة. كان مضرجًا بالدماء، ولم يحرك ساكنًا، ولم يصرخ حتى." قال نافذ الغرابلي، ابن عم الجريح أحمد، عن لحظة القصف.
بعدما سارع المسعفون إلى نقله لمجمع الشفاء، أظهرت الفحوصات أن شظية صغيرة استقرت في منطقة حرجة من الدماغ، مما تسبب في نزيف داخلي وتورم شديد، وتجمع للمياه والهواء بداخله أيضًا. خضع بعدها لعملية جراحية طارئة لوقف النزيف، لكن الأطباء لم يتمكنوا من استخراج الشظية.
الحكيم محمد الحليمي، المتابع لحالة الطفل في العناية المكثفة، يقول: "أحمد في غيبوبة منذ أيام. الشظية أصابت منطقة الدماغ وجعلت حالته معقدة، ونحتاج لتحويله إلى مركز طبي متخصص خارج قطاع غزة لإجراء عمليات دقيقة يمكن أن تنقذ حياته وتمنحه فرصة للتعافي."
غير أن الطريق للعلاج في الخارج ليس معبّدا، فمعابر غزة مغلقة بسبب الحصار المطبق الذي رافق حرب الإبادة الممتدة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، علاوة على ذلك فإن إجراءات تحويل المرضى وجرحى الحرب للعلاج في الخارج تستغرق وقتًا لا يملكه ذلك الطفل.
"كل ساعة تمر تُنقص من فرص نجاته." يؤكد الحكيم الحليمي بحزن.
تجلس نرمين الغرابلي بجوار سرير طفلها أحمد، تراقب حالته مع أشقائه بينما الزمن يتوقف في عيونهم، ينتظرون أن يفتح عينيه، أن يحرك يده، أن ينطق مرة أخرى. لا تتحدث الأم كثيرًا وهي تمسك بيده كما لو أنها تحاول إيقاظه من حلم ثقيل.
"ما نريده فقط أن يحصل على العلاج المناسب حتى يشفى. سيكون بإمكانه العيش لو أخد فرصة"، تقول الأم، ووجهها يتوسل أكثر مما يتكلم.
مأساة أحمد واحدة من مآسٍ لا حصر لها، أفرزتها حرب الإبادة التي أزهقت أرواح أطفال لا ذنب لهم في عمليات قصف واستهداف مباشر لا مبرر لها، ودفنت أحلامهم قبل أن تنضج.
الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة، تؤكد أن جيش الاحتلال قتل أكثر من 18 ألف طفل في حربه الشرسة على غزة، فيما خلّف آلاف الأطفال المصابين بجروح مختلفة، كثير منهم لا يجدون فرصًا للعلاج الكافي في ظل الحصار المفروض على القطاع وتدمير المنظومة الطبية.