فلسطين أون لاين

لا مكان للحياد ولم يعد الصمت ممكنًا

بعد أن تجاوزت الوحشية الفاشية الإسرائيلية كل الحدود، وأوغلت في بطشها بحياة الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزّة، لم يعد هناك مكان للحياد بين القاتل والقتيل وبين المجرم والضحية. ولم يعد كثيرون من قادة دول الغرب قادرين على مواصلة صمتهم الطويل، بعد أن أعطوا لإسرائيل الوقت الكامل، وسمحوا لها بأن تقصف وتقتل وتنفذ جريمة الإبادة الجماعية على 19 شهراً، متذرعين بالسابع من أكتوبر، وبعد أن فشلت في تحقيق أيٍّ من أهدافها العسكرية والسياسية المعلنة، سوى هدف واحد، قتل الأطفال والمدنيين رجالاً ونساء، حتى تجاوز عدد الشهداء 62 ألفاً، وعدد الجرحى والمصابين 120 ألفاً.

وبدأنا نسمع رئيس وزراء إسبانيا يصف ما يجري بالإبادة الجماعية، ووزير خارجية بلجيكيا يدعو إلى فرض العقوبات على إسرائيل، والرئيس الفرنسي يخرج ليقول "يجب أن تكون لنا استجابة إنسانية وسياسية بشأن غزّة، كي لا نكيل بمكيالين مقارنة مع موقفنا بشأن أوكرانيا". ويخرج قادة إسبانيا وأيرلندا وأيسلندا ولوكسمبرغ ومالطا وسلوفينيا والنرويج ليعلنوا أنهم "لن يصمتوا على الكارثة الإنسانية التي تحدُث أمام أعيننا في غزّة". أما الكاتب ديفيد هيرست فكتب أن إسرائيل خسرت حرب غزّة بالفعل، لكنها لا تعلم ذلك بعد. وأضاف "كما حدث في فيتنام فإن عاملين سيضعان حدّاً لهذه المذبحة، تصميم الفلسطينيين على البقاء على أرضهم، والغضب الشعبي المتصاعد في الغرب". ... لم يعد ممكناً إخفاء، أو تجاهل معالم جريمة وحشية أجبرت الضمائر النائمة أن تصحو، وأحرجت المتغافلين، والمتواطئين، والصامتين، عرباً كانوا أم أجانب، بدرجة لا سابق لها.

ألقت (إسرائيل) أكثر من مائة ألف طن من القنابل والصواريخ على سكان غزّة، بمعدّل 50 كيلوغراماً لكل رجل وامرأة وطفل، وما من طفل يصل وزنه اليوم في غزّة 50 كيلوغراماً. وتجاوزت القوة التفجيرية المستخدمة في غزّة خمسة أضعاف القوة التفجيرية لكل من القنبلتين النوويتين التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي. وزادت نسبة الضحايا من الشهداء والجرحى عن 10% من سكان قطاع غزّة، ولو طبقت هذه النسبة على سكان الولايات المتحدة لتجاوز العدد 33 مليوناً من القتلى والجرحى، ولكم أن تتخيلوا ماذا كانت الولايات المتحدة ستفعل لو قُتل وجرح ثلاثة ملايين أميركي فقط، وليس 33 مليوناً، لكانت بالتأكيد ستقصف العالم بأسره بقنابلها النووية.

تعدّى الحصار الإسرائيلي الإجرامي 77 يوماً، مسبّباً المجاعة والعطش وانتشار الأوبئة والأمراض، وموت كثيرين من المرضى والجرحى بسبب انعدام العلاج، بل تجاوزت وحشية الحصار كل المعايير بمنع دخول مطاعيم الأطفال إلى قطاع غزّة، ما يعني بالتأكيد التسبب بانفجار أوبئة خطيرة كشلل الأطفال والدفتيريا والخناق والحصبة، التي ستصيب الصغار والكبار، وذلك يعني أن حكومة إسرائيل تسعى إلى إبادة الشعب الفلسطيني، ليس فقط بالقصف الهمجي المدمّر، والتجويع، بل بحرب بيولوجية من الأوبئة المُعدية. ويمثل إعلان الجيش الإسرائيلي أنه بدأ تطعيم جنوده باللقاحات المضادّة للأمراض المذكورة، تأكيداً لنية إسرائيل استخدام الحرب البيولوجية والتسبّب بانفجار هذه الأوبئة الخطيرة.

لا يستطيع أي من زعماء العالم الذي يدّعي التحضر الادعاء بعد اليوم أنه لم يعرف، أو لم ير، ارتكاب جريمة الإبادة والتطهير العرقي والعقوبات الجماعية الأكثر وحشية في العصر الحديث ضد شعبٍ بكامله، فهي منتشرة على شاشات العالم، وعلى كل وسائل الاتصال الاجتماعي، وحاضرة في كل نشرات العالم الإخبارية، حتى عندما تحاول المحطّات الموالية لإسرائيل إخفاءها. وكما لم يستطع الجبناء أن يخفوا تواطؤهم بالصمت أو بالمشاركة، مع جريمة الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، لن يستطيع جبناء اليوم أن يخفوا تواطؤهم مع جريمة الهولوكوست الثانية الجارية في غزّة.

ولن تسمح الشعوب للمتواطئين وحكوماتهم بمواصلة التعايش مع الجرائم ضد الإنسانية، فصوت الشعوب بدأ يهدر في شوارع العالم بقوة غير مسبوقة، تذكّرنا بثورة العالم ضد الحرب الهمجية على فيتنام، وبثورة العالم ضد نظام الأبارتهايد العنصري في جنوب أفريقيا.

تفاخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه يعود إلى الولايات المتحدة من زيارته الخليج العربي بوعود واتفاقيات استثمار تتجاوز أربعة تريليونات دولار، وآن أوان أن يسمع بوضوح أن تنفيذ كل تلك الاستثمارات مرتبط بوقف الجريمة الوحشية الجارية في غزّة، وبإجبار نتنياهو على وقف الحرب ووقف التدمير المنهجي الذي يمارسه ضد الشعب الفلسطيني وضد حقوقه، خصوصاً بعد أن غادر مبعوثه ويتكوف المنطقة، معلناً فشله في إقناع نتنياهو بالقبول بصفقة لوقف إطلاق النار، وكأن المفاوضات التي كانت جارية بهذا الشأن لم تكن سوى غطاء خداع مؤقت لمنح الوقت لترامب لاستكمال مشاريعه الاستثمارية ومن ثم التهرّب من مسؤولية سماحه باستمرار جريمة الإبادة في غزّة.

لن نرحل ولن ننكسر، ولن نتراجع، ولن نخضع للبطش الاستعماري الاستيطاني الإحلالي، ولن نعفي العالم وقادته خصوصاً قادة الغرب من مسؤوليتهم، إما بفرض العقوبات الفورية على إسرائيل، وإما بمواجهة الاتهام بالتواطؤ مع جريمة الإبادة الجماعية الأسوأ في عصرنا.

المصدر / العربي الجديد
OSZAR »